الأخبارمدونة الناس

من هو المتدين

متى نقول عن شخص ما أنه متدين؟ أو ما هو معيار التدين؟ يعد هذا السؤال من أصعب الأسئلة التي من الممكن طرحها، حيث لا يستطيع أي شخص أن يحكم على تدينه بنفسه، فكيف إذن سيحكم على تدين شخص أو مجتمع آخر؟ هذه مشكلة كبيرة في الدراسات الاجتماعية كما هي في الحياة اليومية، ويزيد تعقيدها في سوريا ندرة الدراسات الاجتماعية للدين، ورفعه من فئات عديدة مختلفة فيما بينها عقيدة سياسية.

كيف نحدد ما إذا كان مجتمع ما متديناً أم لا؟ هذا السؤال يتطلب تحديد معيار لقياس التدين. ومع ذلك فإن التدين هو مفهوم يصعب الإمساك به، كما يقول عبد الوهاب المسيري. في الغرب على سبيل المثال، تعتبر بعض الدراسات أن الذين يذهبون إلى الكنيسة بانتظام هم متدينون، بينما تعتقد دراسات أخرى أن الإيمان بالله يكفي للتدين؛ وعليه هل يصح أن نحدد المتدينين في مجتمعاتنا بأنهم من يداومون في الذهاب إلى المسجد؟ أو الذين يؤمنون بالله؟ وإذا كان الجواب بـ لا في كلا الحالتين، فمن هم المتدينون إذن؟ هل هم الذين يلتزمون بالسنن الرواتب؟ هل هم الذين يؤدون الصلاة؟ حقيقةً لا يوجد معيار موحد يمكننا من القول بأن شخصاً ما هو شخص متدين.

وإذا كان صحيحاً بأن كل مجتمع له حالة تدين خاصة به يختلف عن حالة مجتمع آخر، والسبب هو عدم وجود معيار موحد لقياس هذه الحالة، فمن يحق له وضع هذه المعايير؟ بالتأكيد ليس أنا، ولا يمكن تحديد الجهة المسؤولة عن ذلك، وهذه هي مشكلة الدراسات المرتبطة بهذا الموضوع. ولكن يمكننا أن نضع معايير لقياس حالة تدين مجتمع ما إذا كنا نقوم بدراسة علمية تتبع المنهج العلمي، حيث يضع الباحث معياراً للقياس، بغض النظر عن منطقية هذا المعيار أو عدمها، طالما أن الباحث يلتزم بالمنهج العلمي!.

في أحد اللقاءات الشعرية التي كان يرأسها الشاعر “أدونيس”، أعلن: ليس هناك شاعر عربي متديناً، فسأله أحد الحضور: ما هو القياس للتدين؟ فأجاب أدونيس بالاستشهاد بقول للشاعر “فولتير” واصفاً إياه بأنه شاعر متدين، على الرغم من أن فولتير كان في صراع شديد مع الكنيسة، فما ينظر إليه على أنه تجديف وهرطقة في عصر ما، قد يصبح ذاته تديناً في عصر آخر، والأمثلة في التاريخ الإسلامي على ذلك كثيرة، تثبت أنه لا يمكننا تحديد قياس للتدين يلتزم الناس به، لأن كل مجتمع وكل عصر له حالته الخاصة.

إلى ذلك تتأثر حالة التدين بعوامل عديدة تحدد مستوى الدين في المجتمع؛ من بين هذه العوامل السياق التاريخي والسياسي للمجتمع، فالمجتمعات التي تعرضت للاستعمار لفترات طويلة تختلف كثيراً عن المجتمعات التي لم تتأثر بالاستعمار بشكل كبير، فهناك اختلاف بين المجتمع السوري -من حيث التأثر بالاستعمار- والمجتمع السعودي على سبيل المثال، لذلك فإن حالة التدين ليست متشابهة بين المجتمعين. كما أن المجتمعات التي عانت من الاستعمار لفترات أطول تختلف عن المجتمعات التي عانت منه لفترات أقل.

وفي الوضع السوري إضافة إلى أنه من الصعب تحديد المسارات التي أثرت على حالة التدين في العقد الأخير، لأن هناك العديد من المسارات مثل العادات والتقاليد، والوضع العام في سوريا بعد عام ، والحالة السياسية قبل الثورة، وطبيعة النظام وسياسته تجاه المؤسسة الدينية ودورها برفد المجتمع السوري بكوادر دينية تخدم وظائف النظام السوري في “الضبط الاجتماعي السلطوي في المجال الديني الرسمي”، حيث كان لها تأثير كبير على الناس، فقد اعتلت المنابر وأنشأت حلقات العلم في المساجد، وجلست على كراسي الأستاذية في الجامعات. معطوفاً على كل ذلك نشاط السلفية الجهادية خلال المرحلة العسكرية للثورة السورية، وتركة ثقيلة من “أحداث الثمانينيات” والغزو الأمريكي للعراق.

ثم أن المشكلة سورياً ليست في قياس التدين فقط، بل كذلك في الخطاب الديني “الشعبي”، الذي جعل المظهر الخارجي للإنسان هو القياس للتدين؛ فمن يرتدي الثوب القصير ويطلق لحيته، أو من يدرس في كلية الشريعة، أو من يستشهد بكلام أحد الشخصيات الدينية المؤثرة، يعتبر متديناً ملتزماً. رموز اللحية الطويلة والحديثة والشارب القصير والثوب القصير واتخاذ شعارات مصدرها هذا التيار أو ذاك، هي رموز ظاهرية يحكم على الشخص من خلالها في سوريا على نطاق واسع، رغم الأمثلة الكثيرة التي ظهرت فيها ذات النماذج كمجرمين أو متكسبين لا أكثر.

تنويه: يعبِّر هذا المقال عن رأي كاتبه فقط، ولا يعبِّر بالضرورة عن رأي موقع هوز.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *