ينهي دراسته في الجامعة، ويشرع في البحث عن فرصة عمل. منذ فترة من الزمن معظم الوظائف إذا أُعلن عنها في أي منظمة يُشترط فيها الخبرة وعادةً المتخرجون حديثاً لا يملكون خبرة فكيف المتخرج حديثاً يستطيع أن يكتسب خبرة؟ هذا السؤال يُلقى كثيراً على الخريجين وحقيقةً إن لأمر محزن أن نرى منظمات كثيرة تركز على هذا الجانب كثيراً خاصةً مع المتخرج حديثاً. ولكن…
في هذا الوقت، هناك شيء مهم جداً يحدث في جامعات الشمال السوري، كثير من الطلاب لا يلقي بالاً للمجالس الطلابية، والفرق التطوعية الجامعية، مع أنه أقرب الناس إليها. يتناسى أن المجالس الطلابية والأندية الجامعية هي فرصة له لتطوير مهاراته الشخصية والقيادية والتواصلية والتعاونية، وأنها تساهم في تنمية روح الانتماء والمسؤولية والمبادرة لديه. وهناك العديد من الأنشطة التي يمكنه تنظيمها أو المشاركة فيها في الجامعة، مثل الندوات والمحاضرات والورش والمسابقات والمعارض والرحلات والخدمة المجتمعية والأنشطة الرياضية، والثقافية، والفنية، والترفيهية.
فاستغلال هذه الفرص تحسب كنقاط له في المستقبل بعد التخرج. وبالتالي، عليه الاستفادة من هذه الفرص والتفاعل مع زملائه وأساتذته والضيوف من خارج الجامعة، وأن يحاول تطبيق ما يتعلمه في الصفوف في الحياة العملية، وأن يستخدم هذه الأنشطة كوسيلة لإثراء سيرته الذاتية وزيادة فرصه في الحصول على وظائف مستقبلية. يا صديقي هذا جزء عظيم يعلمونك إياه في الجامعة.
يا صديقي، لا تكن كالذي دخل الجامعة وخرج منها ولا يعرف إلا زميله في الغرفة. اعلم أن هذا يؤثر عليك في سلوكك وعلاقاتك ومرونتك، فيمكنك اكتساب خبرات قبل التخرج. وأعلم أن المنظمات التي تحلم ليل نهار أن تكون جزءاً منها لا تحب أن تتعب نفسها في تدريبك الأبجديات المجتمعية (العلاقات والتواصل…) فإن لم تستفد من أنشطة الاتحادات الطلابية على الأقل، فأنت ضيعت فرصة كبيرة عليك.
عدة حالات توظيف تمت بسبب مثل هذه الأنشطة التي تراها غير مهمة. حيث إن بعض المنظمات استقطبت شباباً كانوا بالأساس متدربين، والسبب أن المنظمة قد رأت فيهم إمكانات وطاقات رائعة، ولأنه تجنبت بذلك الكثير من الجهد والوقت في البحث عن موظفين جدد، وإجراء مقابلات وتوقيع عقود. واكتشفت أن هؤلاء المتدربين لا يفلتون منها، أي لا يرحلون عن مكانهم. لا تنظر إلى بيئتك الجامعية بعين الكبر، بل انظر إليها بعين الاستثمار لمستقبلك.
ليس مطلوباً منك في الجامعة إلا التفاعل مع محيطك الجامعي. هذا التفاعل يمنحك مهارات شخصية وقيادية وتواصلية وتعاونية، ويطور من شخصيتك ويزيد من ثقتك بنفسك ومرونتك. كل هذا سيكون رصيداً لك عند التقدم لأول مقابلة عمل. سيساعدك هذا حتماً على إظهار سيرتك الذاتية بشكل جيد، وستجيب على الأسئلة الشخصية والمهنية بثقة ووضوح، وتعطي أمثلة عملية وحقيقية عن مواقف وتحديات وحلول عشته خلال نشاطك الجامعي. أما إن كنت كصاحبنا الأول الذي لا يعرف سوى خليله في الغرفة، هذا فرصته في الحصول على فرصة عمل تكاد تكون معدومة.
حسناً، قد يقول قائل: التفاعل مع المحيط الجامعي لا يعود عليَ بعائد مادي، فلماذا أتعب نفسي في هذا الأمر؟ نقول هنا: وقت الفراغ لديك واسع، وواسع جداً، خاصة إن كنت في السكن الجامعي، أو هناك من يكفيك هم المصروف اليومي والجامعي (لن يدوم هذا لك)؛ فأنت في نعمة، يمكنك إتقان اللغة الإنكليزية مثلاً، أو بناء مهارات في برامج الحاسوب، هل هذا مجاناً؟! العائد المادي ليس شرطاً أن يكون مالاً، قد تكون مهارة، وهذا ما يجب عليك الاهتمام به كطالب جامعي أو حتى متخرج حديثاً من الجامعة.
قد يقول قائل آخر، إن لم يكن لديك “واسطة” فكل هذا هراء لا طائل منه. يا صديقي، هناك شيء اسمه العلاقات، والفرق بين العلاقات والواسطة كبير جداً، وهذه مسألة مهمة وحساسة في عالم العمل. فالعلاقات هي أن تستفيد من شبكتك الاجتماعية والمهنية للوصول إلى فرص عمل تناسب مؤهلاتك ومهاراتك وجدارتك، وأن تحصل على توصية أو إحالة من شخص له اعتبار وثقة في مجالك، وأن تخضع للمقابلة الشخصية والتقييم العادل والمنصف، وأن تنال الوظيفة بحق وبجدارة، وأن تؤدي عملك بكفاءة، وإخلاص، وتطور نفسك ومؤسستك. هذا التسلسل يعطيك قوة، والقوة تأتي من المعرفة، وهذه المعرفة لن تحصل عليها إن خرجت من الجامعة وأنت لا تعرف إلا نديمك في الغرفة. فالعلاقات توصلك إلى الباب (المقابلة) وأنت تعلم أنك قادرٌ على فتح الباب.
أما الواسطة فهي أن تحصل على الوظيفة بدون أن تستحقها، وأن تتخطى كل الشروط والمعايير والمنافسين بواسطة شخص له نفوذ وسلطة، وأن تتجاوز الجدارة والكفاءة والإنجاز، وأن تصل إلى مستوى عالي في الوظيفة بدون أن تكون قادراً على تحمل المسؤولية والضغط والتحدي، وأن تسبب مشاكل، وفشل وخسارة لنفسك ولمؤسستك. الواسطة توصلك للباب أيضاً، ولكنك لن تستطيع فتحه.
الأيام الصعبة التي نعيشها الآن؛ ستغلب من يكون ضعيفاً ومنهكاً ومستسلماً للهوان والمحن، ولكن من يكون صبوراً ومحتسباً ومثابراً ومقاوماً للشدائد والمشاكل، فهو أقوى من الأيام وأغلب عليها، ويستطيع أن يتغلب على الصعاب ويحقق ما يريد. ستغلبك الأيام إن كنت واهناً، وإن كنت صبّاراً فذو الصبر أغلبُ.
تنويه: يعبِّر هذا المقال عن رأي كاتبه فقط، ولا يعبِّر بالضرورة عن رأي موقع هوز.
المزيد من الأخبار
كيف اختار نوع خط
كيف اصمم عرض تقديميpresentation
رواية القرن الأول بعد بياتريس
بدائل مجانية لبرنامج powerpoint