الأخبارمدونة الناس

أهمية اختيار الوقت المناسب

غالباً ما يكون اختيار التوقيت أكثر أهمية من اختيار تناول الموضوع، وهذا ما قد يكون علماً بحد ذاته، أو نبراس حكمة تنتج بشكل إيجابي عند الشروع في الحديث بأي موضوع كان، مهما بلغت بساطة الأحرف والكلمات، وأياً كان التحضير لمحتواها.

:ترغيب مدمر

لطالما تحدث الوعاظ عن أن التوقيت الخاطئ لبداية أي حديث بهدف الوعظ أو التصحيح أو الطرح أو حتى الزجر والردع، قد يفرغ المرجو تحقيق ثمرته من محتواه، بل وقد ينعكس بالسلب ليفسد ويغمس الطرف المقابل بالكثير من الأخطاء المشابهة أو في حالته المستعصية. “لكل مقام مقال”

ومما يضرب مثالاً في هذا المجال، من يدخل على مجموعة من الناس يتناولون الخمور أو يرتكبون المحرمات، فيخبرهم بأنه “لا بأس إن الله غفور رحيم، ورحمته تسع كل شيء”

وحجة الوعاظ أنه لا شك بأن الله غفور رحيم، ورحمته تتسع لكل شيء، لكن اختيار جانب الترغيب هذا في موضع الترهيب كارثي، في حين أنه كان المفترض أن يخبرهم أن الله شديد العذاب، وأن لله حدوداً لا يصلح تجاوزها، وأن يزجرهم بالنهي حتى ينتهوا عما يفعلوا، ومن ثم يشرع بترغيبهم حتى يثبتوا، ولا يعودوا لما كانوا عليه

لسان حال الوعاظ محقّين، أن التوقيت قد يسلب أي موضوع صحيح صحته إن تم بتلك الصورة السيئة. فعندما تجد جائعاً أطعمه قبل أن تحدثه عن الصبر، وإلّا فالكلمات في ذاك الموضع لا تغدوا عن كونها صخب أحرف يغطيه الضجيج السمعي الناتج عن أصوات المعدة الفارغة.

المثالية والأحلام الوردية في موضع الواقعية اغتيال للهمة:

في نقطة ما نحتاج إلى الوقوف على الوقائع بتجرد، ولكي نضع خطة نستدرك بها الأخطاء الحاصلة، ونعري أسباب عدم نجاح أي عمل تقلدناه، علينا أن نضع الأمل والبشرى والأحلام جانباً، وإلّا سنعيد كرة الفشل ونغتال همة التصحيح ببعض الكلمات المنمقة بسياق تفاؤلي. والحقيقة أن الأمل أسهل بكثير من النقد والتفكير والتحليل وأعبائه للوقوف على فجوات أدت بنا إلى الانحدار في الهاوية.

سنصعد إلى القمر يوماً بسفينتنا المائية التي تتسرب المياه لها في وسط البحر؛ لا أدري كيف، لكن كن متفائلاً يا رجل!.

لكن لو كرست جهودك في التفكير، وأخبرتني يا صديقي كيف نتلافى الغرق الآن، لكان أفضل من أن نموت حالمين!

استهلاك أدبي

للأسف تتجه الكثير من الأقلام للكتابة بإعادة تدوير الكلمات المستهلكة بكثرة، لتصنع هالة جميلة ضمن نص مرموق ومنمق، ينتج بشكل وهمي إشراقة لحظية سرعان ما تندثر أمام ظلمة الواقعية. ومما يؤسف له أكثر أن تلك الفئة أكثر إنتاجية ورغبة، كون الغالبية في هذا العالم لا تحب الحقائق؛ وأنا هنا لا أدعو إلى اليأس والتنفير.

أدعو من يمتلك أوراق التأثير أن يضع ما يجذب الأنظار ويثير العواطف جانباً عندما يكون هناك موضع يستدعي الوقوف بصلابة وكلمات حادة وواقعية لتصحيح مسار أو تلافي أخطاء، وأن يتحرى كل منا التوقيت المناسب لصب بنات أفكاره بقطبها الملائم لتحقيق ثمارها، وأن لا يصبح مجرد آلة مستهلكة تستقطب إعجاب الجموع دون أن يقدم لهم فكرة حقيقية متعرية من آفة التوقيت الخاطئ.

فعند الحديث عن الأخطاء اكتب بواقعية ونقدية بناءة، وعند العمل اكتب بإستراتيجية ومنطق تحليلي، وعند الحديث عن النتائج المترقبة بعد العمل السليم لك أن تمد من جسور الأمل والبشرى ما شئت، فتلك في موضعها ذات أحقية.

إننا بحاجة ماسة إلى منهجية اختيار اللحظة المناسبة لكل موضوع قبل طرحه، وبحاجة إلى مواجهة تلك الفوضى الفكرية في الطرح دون تلمس بيئة الاستجابة لها. بحاجة إلى ألّا نبذر بذور الصيف في خضم الشتاء العاصف، فالتربة حينها ستميتها حتماً دون أن تتشعب بها جذورها لتثمر

تنويه: يعبِّر هذا المقال عن رأي كاتبه فقط، ولا يعبِّر بالضرورة عن رأي موقع هوز

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *