الأخبارمدونة الناس

مأساة محدودية مصادر الدخل في سوريا

يتعدى أثر التحديات التي تواجه محدودية مصادر الدخل في الشمال السوري الجوانب الاقتصادية، وتمتد أيضاً إلى البنية الاجتماعية والنفسية للسكان، وتعيد تشكيل ثقافتهم ونظرتهم للحياة وفق منطقها المرتبط بالعوز والخلاص الفردي وشعور التخلي.

في أعماق الأزقة المظلمة والشوارع المحترقة في شمال غربي سوريا، تنسج الحروب قصة مأساة تتجلى في قلة مصادر الدخل، إنها قصة تحكي عن تحديات الحياة التي يواجهها السكان في هذه المناطق، بعد ما امتدت الحرب إلى أكثر من عقد، تاركة وراءها أثرًا مدمرًا على الاقتصاد وحياة الناس في جميع المجالات.

وبينما يعيش السوريون تحديات يومية لتأمين لقمة عيشهم على ضفاف نهر الفقر والمعاناة، على وقع استمرار التصعيد العسكري والصراعات المتجددة التي تؤثر على المؤسسات المحلية والبنى التحتية؛ تتضاءل فرص العمل، وتصبح البطالة شبحاً يبتلع الأفق كظلام يعصف بالمستقبل، حيث العائلات عاجزة عن تقديم الرعاية والدعم لأبنائها، والأطفال يفتقدون حقوقهم الأساسية كالتعليم والرعاية الصحية، وهذا الوضع يفرض تحديات كبيرة تتطلب استجابة جادة من المجتمع الدولي والمؤسسات المحلية، في ظل تراجع الاهتمام بقضية السوريين ومآسيهم.

وفي الوقت الذي يصبح من الصعب على الشباب العثور على فرص عمل، ما يفقدهم القدرة على المساهمة في دعم أسرهم، تضطر النساء إلى تحمل عبء توفير لقمة العيش لأسرهن في ظل غياب الدعم الكافي. ويحاولن التكيف مع الظروف الصعبة وتقديم الدعم لأطفالهن الذين يعيشون في ظروف لا تليق بطفولتهم.

وفي هذا السياق يصبح سؤال السكان في الشمال السوري عن المستقبل مشروعاً، إذ لا خطط لتحسين مصادر دخلهم المحدودة، ولا طموح في إعادة بناء البنية الاقتصادية المدمرة،  أو توفير بيئة تشجع على الاستثمار وخلق فرص عمل مستدامة. في حين يترك السكان لقدرهم، وللبحث المنفصل لكل واحد منهم عن سبل معاشه الخاص، والتوصل الفردي للخلاص الفردي.

لا تنتج هذه الأوضاع الاقتصادية المأساوية في ظل تخلي السلطات والمؤسسات والمجتمع الدولي عن دورهم في الرعاية والخدمات، سوى مزيد من التدهور الاجتماعي، إذ تتمسك الفئات بقواعدها ضمن جماعاتها الخاصة بوصفها الداعم الرئيس للأفراد، بحيث تتكرس مع الأيام العُصب التي تفكك إليها المجتمع، مثل الانتماء الفصائلي والعقائدي والمنظماتي، مضافاً إليها العصب الأهلية ما قبل الدولتية، مثل عصبة العشيرة والحي والقرية والمنطقة؛ ما ينذر بتأبيد حالة التذرر والانقسام والنكوص إلى الحالة البدائية، حيث يحارب الجميع ضد الجميع.

أما الثقافة التي سيخلقها شعور السكان بتخلي الجميع عنهم، فلا يمكن إلا تخيلها في نماذج عديدة طفت على سطح الأحداث، ولها ما يؤكدها ويدعمها من آراء وتوجهات؛ منها نموذج الإرهاب الذي يبرر نفسه بتآمر العالم ضده، دون أن يعني الإرهاب هنا أن يكون العالم أو الذات موضوعاً للتدمير فقط، بل أن يكون العالم هدفاً دائماً للنكاية والعداوة والكره وعدم الثقة، وأن تكون الذات دائماً صاحبة المظلومية التي تتخطى كل المظلوميات.

ليس المطلوب في ظل هذه الظروف المعقدة أن يضبط السكان مشاعرهم وانفعالاتهم، فدون ذلك واقع مرير لا يمكن أن يغمضوا أعينهم عنه، ولكن المطلوب أن يعاد التفكير بهذا الواقع على كافة الأصعدة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وإعادة الاهتمام بالسوريين من باب التفكير بإنهاء مأساتهم، وليس مساعدتهم على الصبر عليها، وهي مهام السلطات المحلية والجهات الفاعلة والمجتمع الإقليمي والدولي.

إذ لا يمكن والحال هذه، إلا أن يكون تحسين مصادر الدخل مربوط بخطط مستدامة ورؤى طويلة الأمد، وإحداث التغيير المأمول يتطلب جهداً مشتركاً من جميع الأطراف المعنية، مع التركيز على تحقيق التوازن بين الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. فالإلهام يكمن في قدرة الإنسان على التكيف والتغلب على التحديات، لكن في ظل واقع آدمي، وهو ما نتمنى أن يسطع نجمه في ظل الأوضاع الصعبة التي يعيشها السكان في شمال سوريا.

تنويه: يعبِّر هذا المقال عن رأي كاتبه فقط، ولا يعبِّر بالضرورة عن رأي موقع هوز.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *