منَ الظّواهر السياسيّة الكارثية والمستشرية التي نعاني منها في المجتمع السوري على وجه التحديد، والعربي على وجه العموم الافتقار لمفهومِ الدولة السّليم، التي تقومُ على المؤسسات بهيئاتها والمسميات الوظيفيّة لا الشخصية، والتي لربما تكون الأخيرة فاسدةً أو بالية تفتقد للكفاءة وأحقية استلام زِمام الأمرِ وأداء المَهام.
محاولاتٌ مجهضة …!
– من الطبيعي أنْ تكون ثمارُ حقبةٍ طويلةٍ من هيمنة بعض الشخصيات، وعدم تغييرِ الوجوهِ، وفتحِ الآفاق نحو التبديلِ المرن، والسماح للرجلِ الواحدِ المكوثَ طويلًا على الكرسي متملكًا له حتى يقترن المنصبُ بشخصِهِ؛ فاسدةَ الطّعمِ، نَمَتْ على الهرموناتِ لتُشكّلَ هيكلًا فارغَ المضمون “بالونًا” ممتلئًا بالهواء سرعانَ ما ينفجرُ عندَ أوّل احتكاكٍ بشيءٍ ذو صلابةٍ، وحجرَ الأساسِ في خلطِ المفاهيم، وتكوينِ ثقافةِ ارتباطِ المؤسّسات بالشّخصيّة مِنْ حيثُ الوجودِ والعدمِ؛ لتصبحَ السائدةَ ومتلازمةً بِرَدّاتِ فعلٍ مناعيّة، عندَ كلّ محاولةٍ للتّصحيح أوِ التّغيير أوِ الإصلاح؛ لتكونَ تحتَ متناوَلِ هذه الرّدّاتِ، وفي مرمَى سهامِ ثلّةٍ تشكّلُ غالبيّةً ساحقةً تحيَا في بوائقِ هذه الإشكاليّة، وتطفُو على سطحِ السّاحةِ الملتهبةِ، المصطلحاتُ والعباراتُ الّتي لا تُعبِّرُ عنْ خطأٍ في البنيةِ التّعبيريّة فقط، وإنّما في منهَجِ التّفكير.
“القائدُ الخارق”
“سوريا الأسد”
“الأسدُ أو لا أحد”
ومصطلحاتٌ أخرَى مَا زالَتْ تُردّدُ بسياقٍ آخرَ متشارِكٍ بالمعنَى، يُعيدُ المشهدَ ذاتَهُ، بفظاظةٍ أكثرَ غِلْظةً على القلبِ، لأنّها أقربُ إليْنَا مِنْ حبلِ الوريدِ أُفَضِّلُ عدمَ ذكرِها، كَونِي غيرَ مُدَرَّبٍ علَى الجلوسِ في مؤخّرةِ السّيارات، وغيرُ مهيأٍ لظُلمَةِ الأقبيةِ، أو أنْ أقبَعَ خلفَ القضبانِ أرمزُ لها بِـ “جزء من النص مفقود”
وأُعطِي القارئَ مَهَمَّةَ إيجادِهِ.
الغربُ ودولةُ المُؤسّسات
_ في حينٍ آخرَ نرَى أنّ الغربَ تجاوزَ هذا الارتجاجَ الفكريَّ، وباتَ دَورُ المؤسّساتِ مفعلًّا بشكلٍ فِعلِيٍّ وحقيقيٍّ، وأصبحَ عضدًا في بناءِ الدّولةِ وبنيةِ هيكليّتِها المتينةِ بِغَضٍّ تامٍّ للنّظرِ عنِ المسمياتِ الشّخصيّةِ الّتي تؤدّي دورًا محدودًا تحتَ عباءةِ المؤسّسة، وباسمِها متجردةً من صفاتِها مِنَ اليومِ الأوّلِ وحتّى الخروجِ منها.
وأصبحُوا في مأمنٍ نسبيٍّ منْ عدمِ تكرارِ مشهدِ هتلر أو تخريجِ شخصيةٍ مثلَ موسوليني، آتِي هُنَا بصورةٍ واحدةٍ كنموذجٍ على التّعافي منْ هذَا الدّاء في ميدانِهِمُ السّياسيّ والفكريّ:
جورج واشنطن:
الرئيس الأوّلُ في تاريخِ الولاياتِ المتّحدةِ والأبُ المؤسّسُ، والقائدُ المغوارُ بينَ قادةِ الاستقلالِ، الّذي دُمِغَتْ صورتُهُ على العُملةِ النّقديةِ؛ ليرتبطَ بذاكرةِ الإخلاصِ على قطعةٍ ذاتِ قيمة، وسُمِيَتْ مدينةٌ بحروفِ اسمِهِ لكثرَةِ ما قدمَّ لأمّتِهِ، عندَ انتهاءِ ولايتِهِ الرئاسيّةِ رفضَ التّجديدَ، وقرّرَ أنْ يتنحَّى عنْ منصبِ الخادمِ، ليكونَ مِنَ المخدومِيْن المنعمِيْن، ومواطنًا عاديًّا منْ مواطِنِي الدّولةِ؛ فمعَ ذلكَ لمْ نجدْ أنّ الشّعبَ الأمريكيَّ اكترثَ لرحيلِهِ، أو خرجَ يطالبُهُ بالبقاءِ الأبديِّ، أو حتّى لمجرّدِ التّفكيرِ ارتبطَ وجودُهُ بوجودِ الدّولةِ واستمرارِهَا على سطحِ الكرةِ الأرضيّةِ بعدَ ذهابِ النّواةِ الصّلبةِ المثبِّتةِ لهَا كمَا في مفهومِنَا المختلّ؛ هذهِ المنهجيةُ الّتي قادَتْ بدورِها الغربَ نحوَ الاستقرارِ والتّفرّغِ منْ خطرِ انعدامِهِ، والالتفاتِ نحوَ التّطوّرِ والازدهارِ .
منهجيةٌ عقيمةٌ مقيدةٌ لا إراديّة
_ وهكذا نجدُ مَا جعلَ المجتمعاتِ العربيّةَ عصيّةً على الفَهمِ، وإرساء مفهومِ التّملّكِ العبثيِّ للدّولةِ ومؤسّساتِها منْ قِبَلِ مجموعةٍ منَ النّاسِ عبرَ _ العائلةِ_ الحزبِ_ القبيلةِ_ الّتي تُعزِّزُ محاورَ التجزئةِ والقوقعةِ حولَ محيطٍ ضيّقٍ، دونَ اختبارِ الكفاءةِ وإتاحةِ الفرصةِ للأفضل خارجَ هذِهِ الدائرةِ، وارتباطِ هذهِ الفئةِ بكيانِ الدّولةِ منْ حيثُ تكونُ أو لا تكونُ، أنتَجَتْ بشكلٍ أو آخرَ الفوضَى الخلّاقةَ، عندمَا تتجرّأ بشكلٍ مفاجئٍ الشّعوبُ خارجةً عنِ الفِطرةِ الفاسدةِ الّتي سادَتْ لأمدٍ طويلٍ، على الثّورةِ، وتشتعلُ نيرانُ الحَراكِ المُطالبِ بالتّغييرِ والإصلاحِ وإسقاطِ حاكمٍ مستبدٍ؛ لتمزّقَ الشعبَ ذاتَهُ الّذي كانَ يتشاركُ الحياةَ بكلِّ لحظاتِها قبلَ البركانِ وتقسمَهُ إلى فئات، أحدُها لا يستطيعُ الخروجَ عنْ فطرةِ الجغرافيا الّتي تغلغلَتْ في الجذورِ حيثُ استيقظَ منَ الجَدِّ السّابعِ، وإليْهِ عبرَ الجيناتِ المشكِّلَةِ لهُ، والحُكمُ لا يصلُحُ لأنْ يكونَ لغيرِ هذهِ الفئةِ المنزّهَةِ والمستفرِدةِ بالمُلْك؛ لا يمتلِكُ قدرةَ كبحِ جِماحِ النّوباتِ المناعيّة المتوارثَة..!!
والآخرُ الّذي يرَى منْ شدّةِ الظّلمِ والدّكتاتوريّة الّتي تسيرُ عبرَ الزّمنِ ضمنَ وتيرةٍ ضيّقةٍ جدًّا؛ الدّولة ومؤسساتُها واجبةُ التّدميرِ الشّاملِ …!
وهُنَا تفتقِدُ البوصلةَ، ودلالةَ المعرفةِ، ويُظلِمُ المشهدُ لتنعدِمَ الرؤيةُ بشكلٍ شبهِ تامٍّ ويمتزجُ بفوضَى عاصفةٍ ليصبحَ المسيرُ على طريقٍ واحدٍ لا ثانيَ لهُ دونَ كلّ الطّرقِ نحوَ الهلاكِ والدّمارِ، وإفناءِ الحجرِ والبشرِ دونَ فائدةٍ أو حتّى بارقةِ أملٍ للتّوصّلِ إلى حلٍّ حقيقيٍّ ملموسٍ، ونهايةٍ آمنةٍ يحكُمُهَا السّلام.
تنويه: يعبِّر هذا المقال عن رأي كاتبه فقط، ولا يعبِّر بالضرورة عن رأي موق
المزيد من الأخبار
كيف اختار نوع خط
كيف اصمم عرض تقديميpresentation
رواية القرن الأول بعد بياتريس
بدائل مجانية لبرنامج powerpoint