شهدَتْ مدينةُ الباب في الأيّامِ الماضيةِ مظاهراتٍ وإضراباتٍ عنِ العملِ مِنْ قِبَلِ عاملِي النّظافةِ، واحتجاجاتِ على تدنّي الأجورِ الّتي يتقاضَونَها مقارنةً بمشقّةِ و ساعاتِ العملِ الّتي يعملونَ بِهَا ، يتقاضَى عاملُ البلديّة راتبًا شهريًّا و قدرهُ 1200 ألفٌ و مِئتَا ليرةٍ تركيّةٍ، أي ما يُعادِلُ 31.5 واحدٌ و ثلاثونَ دولارٍ أمريكيٍّ و نصفُ الدّولار؛ علمًا أنَّ العمالَ الّذينَ يعملونَ في قطّاع البلديّة هم مُهجّرون ويشكّلون نسبةَ 97 %، ممّا يعنِي أنّهم يسكُنون بالآجارِ الّذي يكونُ متوسِّطُهُ 50 $ خمسين دولارٍ أمريكيٍّ؛ فضلًا عنْ متطلباتِ الحياةِ اليوميّة الأساسيّة مِنْ خبز و ماء و غذاء في وسطِ تضخّمٍ و غلاءٍ فاحشٍ و تدهورِ صرفِ العملةِ التركيّة المتداولةِ في البلدِ مقابلَ الدّولار.
الإضرابُ عنِ العملِ والنّزولُ للشّارعِ للمطالبةِ بالحقوقِ المشروعةِ لهُم
شهدنا مجموعةً كبيرةً من عمال النّظافة الّذين يعانون الأمَرّيْن في معيشتِهِم نتيجةَ تدنّي الرواتبِ الشهريّة، وتردّي الوضعِ المعيشيّ لهُم، يطالبون المسؤولين والقائمِين على إدارةِ مؤسّسات البلدِ الخِدْميّة بتحمّلِ مسؤوليّاتِهِم، وإيجادِ حلولٍ للوضعِ السيّءِ جدًّا مِنْ تدنّي رواتِبِهِم، والغلاءِ المعيشيّ والمرتفِعِ جدًّا، بدأتِ الأصواتُ تصدحُ وتتعالَى بهتافاتٍ وشعاراتٍ بالحقوقِ المشروعةِ لهُم؛ حيثُ إنّ رئيسَ المجلسِ المحليّ الّذي يُعتبرُ السلطةَ الأعلَى في البلدِ قد نزلَ إليْهِم، واستمعَ لهُم جميعًا مؤكِّدًا شرعيّةَ مطالبِهِم وأحقيّتِهِم، وقطعَ لهُمُ الوعودَ بالبحثِ و النّظرِ بحلولٍ لجميعِ مشاكِلِهِمُ المطروحة، وحلّها بأسرعِ وقتٍ ممكنٍ وأفضلِ حالٍ ضمنَ الإمكانيّاتِ المتوفّرةِ والمعقولة.
أهميّةُ عاملِ النّظافةِ في كلِّ بلد
لقدْ لاحظَ جميعُ سكّانِ المدينةِ كيفَ كانَ منظرُ الشوارعِ والحاراتِ والأزقةِ بعدَ إضرابِ يومَيْن فقط، لقدْ كانَ منظرًا غيرَ حضاريٍّ منْ أثرِ تراكُمِ القمامةِ والروائحِ المُنبعثةِ منْها، وإذا ما نظرْنَا إلى أكثرِ بلدانِ العالَمِ تطوّرًا وحداثةً نجدُ منْ أولَى الأولوياتِ لديْهِم الاهتمامَ بعامِلِ النّظافةِ، ففِي مدينةِ طوكيو عاصمةِ اليابانِ الّتي تُصنّفُ الأولَى عالميًّا منْ حيثُ الحداثةِ والتّطويرِ وجودةِ التّصنيعِ، يهتمّون جدًّا بعاملِ النّظافةِ، فقدِ استبدلُوا تسميةَ عاملِ نظافة بِـ ” مهندسِ الصّحَة ” وفي لفتةٍ جميلةٍ جدًّا من بلدٍ حضاريٍّ قاموا بنصبِ تمثالٍ يُجسّد صورَتَهُم وهم يعملون تكريمًا لهُم، وللتّأكيد على دورهِمُ المهمِّ في المجتمع، أمّا عنِ الوضعِ الماديِّ والاقتصاديِّ لهُمْ، فهُمْ يتقاضَون راتبًا شهريًّا متوسّطهُ5000 $ خمسةُ آلافِ دولارٍ أمريكيٍّ حسبَ قِدَمِ وخِبرةِ كلِّ عاملٍ.
نأخذُ صورةً ثانيةً من بلدٍ عربيٍّ يُعتبرُ البلدُ العربيُّ الأوّلُ منْ حيثُ الحداثةِ والتّطويرِ في السّنواتِ الأخيرةِ ” مدينة دبي ” في دولةِ الإماراتِ العربيّةِ المتّحدةِ، فقدْ أصبحَتْ مقصدًا سياحيًّا لجميعِ دولِ العالمِ؛ حيثُ قامَتْ بلديّةُ دبَي بتوفيرِ أكثرِ وسائلِ التّنظيفِ حداثةً، وبحسب صحيفةِ الاتّحادِ الإماراتيّة قالَتْ: لقدْ خصّصَتْ بلديّةُ دبَي عربةَ نظافةٍ تتميّزُ بسقفيّةٍ واقيةٍ منَ الشّمسِ، وعازلٍ حراريٍّ، ومزودة بمروحةٍ تعملُ بالطّاقةِ الشّمسيّة.
في عودةٍ للواقعِ المعيشيِّ للمواطنِ في المحرّر
فقدْ نشرَ فريقُ ” منسقو استجابةِ سورية ” في شهرِ أيّارَ الماضِي تقييمَ الحدودِ الاقتصاديّةِ للمواطنِ في الشّمالِ المحرّر، حيثُ وصلَ الحدُّ الأدنَى للفَقرِ 5486 ليرةٍ تركيةٍ، ويُكمِلُ الفريقُ دراستَهُ إلى أنّ نسبةَ الحدِّ الأدنَى للفَقرِ هوَ 88.5 % بشكلٍ وسطيٍّ؛ هنا نجدُ أنفسَنَا أمامَ صعوباتٍ وتحدياتٍ كبيرةٍ، جميعُنا نتحمّلُ مسؤوليّتَها سواءً كنّا أفرادَ مجتمعٍ، أو كنّا قائمِين على المؤسّساتِ الخِدْميَةِ في البلدِ؛ كي لا ننصَدِمَ بواقعٍ مريرٍ و ثورةِ جوعٍ؛ يجبُ التكاتفُ والعملُ الجادّ لوضعِ خطّةِ عملٍ تُرضِي جميعَ الأطرافِ للنّهوضِ ببلدِنَا الحبيب.
وبحسبِ مصدرٍ خاصٍّ مُطّلِعٍ فقدْ بادرَ القائِمُون على مؤسّسةِ البلديّةِ بالاجتماعِ معَ جميعِ الموظّفِين، والاتّفاقِ معَهُم لتحسينِ أوضاعِهِم المعيشيّةِ كتوفيرِ الخبزِ المجانيّ لهُمْ كلَّ يومٍ، وإضافةِ ساعتَي عملٍ مأجورةً من دونِ عملٍ، وتوفيرِ الحليبِ وفوطِ الأطفالِ لمَنْ لديهِم أطفال، وتعبئةِ ماءٍ فئةَ خمسةِ براميلٍ بنصفِ القيمةِ، وتسليمِ كلِّ موظّفٍ “سلَّةً غذائيَّةً ” بقيمةِ ألفِ ليرةٍ تركيّةٍ، والعملِ على تأمينِ شقّةٍ سكنيّةٍ لكلِّ موظّفٍ منْ مشاريعِ المنظّماتِ القائمةِ الآنَ في المدينة.
أمّا عنْ دورِنَا نحنُ كمجتمعٍ في هذِهِ القضيّة
عليْنا العملَ بالوعيِ المنزليِّ، وهوَ مسؤوليّةُ الآباءِ والأمهاتِ تجاهَ أولادِهِم، وجمعِ القمامةِ المنزليّةِ بأكياسٍ مخصصةٍ لها ورميِها في الحاويةِ، ووضعِ لوحاتِ توعيةٍ وإرشاداتٍ في المدارسِ مصحوبةً برسوماتٍ معبرةٍ لنشرِ وعيِ النّظافةِ والصّحةِ بينَ التّلاميذ، ووضعِ لوحاتٍ إرشاديّةٍ في الشّوارع مثل (النّظافةُ منَ الإيمان) و (نظافةُ المكانِ والقلبِ واللّسانِ منْ دلائلِ إيمانِ الإنسان.)
وتعودُ أهميةُ نشرِ الوعيِ الصحيِّ كونَهُ مرتبطٌ بالنّظافةِ بشكلٍ مباشرٍ، ويجبُ الإشارةُ هنا إلى أنّهُ واجبٌ دينيٌّ وأخلاقيٌّ وإنسانيٌّ للحفاظِ على نظافةِ بيئةٍ صحيّةٍ تصلحُ للعيشِ البشريِّ الطبيعيِّ خاليةً منَ الأمراضِ والأوبئةِ.
كما يجبُ عليْنا التّشجيعَ على زراعةِ الأشجارِ منْ أجلِ بيئةٍ نظيفةٍ وهواءٍ نقيٍّ وإعطاءِ المدينةِ منظرًا جميلًا وحضاريًّا.
يترابطُ المجتمعُ منْ أجلِ الالتزامِ بقواعدِ النّظافةِ ابتداءً منَ الفردِ إلى العائلةِ، انتهاءً بالمجتمعِ مِنْ أجلِ القيامِ بمجتمعٍ صحيٍّ ومنظرٍ جميلٍ لبلدِنَا.
تنويه: يعبِّر هذا المقال عن رأي كاتبه فقط، ولا يعبِّر بالضرورة عن رأي موقع هوز.
احسنت الاختيار